ستيفن هوكينغ والله

ستيفن هوكينغ - المصدر ويكيبيديا

ستيفن هوكينغ – المصدر ويكيبيديا

لقد انضم مؤخرا صوت جديد لجوقة الملحدين وهو صوت عالم الفيزياء المخضرم ستيفن هوكينغ بعد إصدار كتابه الأخير “ذا جراند ديزاين” The Grand Design وبه يعلن الكاتب أن الفلسفة قد ماتت (مع أن هذه بحد ذاتها جملة فلسفية)! وأن أبحاثه العلمية توصله إلى أن لا حاجة لله في الخليقة، وأن الكون كوّن ذاته من لاشيء وذلك بفضل قانون الجاذبية. بروفيسور ستيفن هوكينغ غني عن التعريف بفضل إنجازاته العلمية العديدة، وقد لُقّب أيضا بأينشتاين العصر، وكُرّم بمنصب الشرف ذاته الذي وصل إليه العالِم إسحاق نيوتن في جامعة كامبرج البريطانية.
لقد أثار كتاب هوكينغ ضجة كبيرة لأن أغلب علماء الماضي مثل نيوتون، جاليليو، كيبلر، ماكسويل، كبانريكس وغيرهم كانوا مؤمنين بالله رغم اكتشافاتهم العظيمة. إذ أنّ اكتشافاتهم (بحسب فكرهم) ساعدتهم على فهم خليقة الله، فكما يقول الكاتب سي أس لويس: “إن الإنسان أصبح عالمًا لأنه توقع قانونًا في الطبيعة. وتوقع الإنسان ذلك القانون لأنه آمن بمن سنَّ تلك القوانين”.  نستطيع أن نرى وبوضوح أن العلم انتعش وازدهر في الدول المؤمنة بوجود الله والتي ترعرع بها العلماء التي ذكرت أسمائهم. وأما في الشرق الأقصى لم يتطور العلم هناك بنفس الفترة، لعدم إيمانهم بوجود خالق سنّ قوانين في الطبيعة، فبالنسبة لهم كان الأمر مبهما. وحتى بعض العلماء الملحدين مثل عالم البيلوجيا الدكتور ديفيد فيتش ينتقدون أولئك الذين يقولون إن العلم قضى على الله. فبحسب رأي فيتش، يستحيل على العلم إثبات عدم وجود الله أو وجوده. أنا لست بعالِم ولكني قرأت الكثير عن الموضوع ممّا كتبَهُ علماء ومفكرون، ملحدون ومؤمنون على حدّ سواء، وإليكم ملخص النقد لكتاب The Grand Design.

أولا: يزعم هوكينغ أن الكون كوّن نفسه بنفسه. لننظر على تلك الجملة من ناحية منطقية. لو قلنا أن X كوّن Y، سنفهم حالا أن X كان موجودا قبل Y، وإلّا لم يستطع X  تكوين Y. ومن ثم كُوّن Y وأصبح هو أيضا موجودًا بفضل X. أو بمثال عملي، الخزّاف كوّن الجرّة، فالخزاف كان موجودًا قبل الجرّة وهو السبب في تكوينها. ولكن ماذا يعني بأن X كوّن نفسه بنفسه (أي أن X كوّن X )؟! كيف يمكن ل X أن يكون موجودًا قبل نفسه؟ هل يمكن للجرّة أن تكوّن نفسها بنفسها؟ أو أن تكون موجودة قبل ذاتها!؟ ومن هنا تظهر المغالطة المنطقية في جملة: “الكون كوّن نفسه” أو الكون كوّن الكون.

ثانيا: يزعم هوكينغ أن الكون تكوّن من لا شيء بفضل وجود  قانون الجاذبيّة. ولكن ما المقصود بـ “لا شيء”؟ أليس، وبنفس الجملة، قانون الجاذبية موجودًا؟  أليس ذلك “شيئا”؟ هل أصبح اللا شيء شيئا؟! أم لعل القانون خارج الكون؟ وسوف لا أدخل أيضا في موضوع من أوجد ذلك القانون.

ثالثا: أي قانون فيزيائي لا يملك القوة لفعل أي شيء، فالقانون يصف حالة معينة وماذا يحدث عندما تتغير العوامل. فمثلا، اذا ضرب ولد كرةً بقوة معينة فالقانون يحسب حركة تلك الكرة. القانون ليس مسببًا لحركة تلك الكرة! لأنه فقط يحسب أو يصف ماذا يحدث عندما يأتي المسبب الحقيقي ألا وهو الولد، ويضرب الكرة. مثال آخر، معروف أن الماء يتجمد في درجة حرارة 0 فإن بقيت الحرارة كذلك يبقى الماء متجمدًا، وإن لم يحدث أي تغيير على حالة الجو (كأشعة الشمس أو تشغيل الفرن مثلا)، فلن تتغيّر حالة الماء المتجمدة. وذلك واضح لأن قانون تجمد الماء لا يملك بذاته القدرة على تغيير حالة الماء أو تغيير أي شيء على الإطلاق، بل إنه يصف التغير الذي يحل عندما تتغير الظروف والعوامل. وذلك ينطبق على قانون الجاذبية، فهو يصف ما يحدث فحسب، ولا يملك القدرة على خلق حتى ذرّة واحدة.

ستيفن هوكينغ - المصدر ويكيبيديا

ستيفن هوكينغ – المصدر ويكيبيديا

بالنهاية، إذا كان التقدم العلميّ الكبير الذي وصلنا إليه، ساعدَنا في فهم وشرح كيفيّة تكوّن أمور عظيمة، فهذا لا يعني أننا لسنا بحاجة لله. فاليوم نحن نفهم كيف تعمل السيارة ولكن هذا لا يعني أن هنري فورد غير موجود! لا نستطيع أن نخيّر الناس بأحد الاختيارات فقط، إمّا “العلم” أو “هنري فورد”! علاقة الله بالكون تشابه علاقة هنري فورد بالسيارة. لا يستطيع شخص أن يخيّر بين “العلم” أو “الله”، لأنّ الإيمان يقضي بأنّ الله وضع القوانين العلميّة ونصّ عمَلَها، وأسّس عليها هذا الكون! ومن العبث أن يوضَعَ المؤلِّف بميزان مقارنة مقابل ما ألّفهُ، ليصبح هذا الأخير أكثر أهميّة وأعظم شأنًا لدرجة تلغي وجوده هو كمؤلّف، وكأنه لم يكن.

استنتاجي الشخصي هو صدى لما قاله البروفيسور جون لينوكس: “أن الهُراء يبقى هُراء حتى لو قاله أذكى العلماء”. ولننتبه دائما إلى الفرق بين جُمل العلماء، وجُمل علميّة. إذ أن جميع العلماء متأثرون من وجهة نظرهم وفلسفتهم الشخصية، حتى لو أنكروا وجود هذه الفلسفة. فكما قال أينشتاين “العالم فيلسوف ضعيف”.  وأمّا العلم الحقيقي فمن المفروض أن يتأسّس على الموضوعيّة في الطرح والحجّة، بعيدًا عن أراء العلماء الشخصية وفلسفتهم الضعيفة.

للمزيد من المعلومات حول الموضوع أوجهكم الى قراءة كتاب قصير بإسم: الله وستيفن هوكينغ (God and Stephen Hawking:  Whose Design Is It Anyway)  للكاتب جون لينوكس وهو بروفيسور بالرياضيات في جامعة أوكسفورد البريطانية

 

رابط لمصدر الصورة.
رابط الثاني.