أحقا قضى العلم على الله؟

أحقا قضى العلم على اللهيظنّ البعض أنه لا حاجة لله في أيامنا هذه، فإن العلم قد أجاب عن أسئلة كثيرة وهو مصدر المعلومات الموثوق به. وحتى أن بعضهم يتجرأ ويقول إن العلم قد أثبت عدم وجود الله! وأن العلم هو الطريق الوحيد إلى معرفة الحق.أريد أن ألفت أنظاركم في البداية، إلى مصطلحات علمية لربما قد تخدع القارئ مثل مصطلح “نظرية”. كل نظرية هي غير مثبتة علميًا، الأمر الذي ينطبق على نظرية النشوء والتطور أيضًا. فالنظرية هي تخمين فقط مستنِد على بعض الأدلة. ووجود أدلة لا يعني إثباتًا للأمر، لأنه يمكن تفسير الدليل بعدة طرق. وبالمقابل، “القانون” هو مُثبَت، كقانون حفظ الطاقة، وله طريقة إثبات واضحة لا شك فيها. هذا وأنصح أيضا بالتروي عند القراءة عن اكتشاف جديد، والانتظار حتى يَدرس هذا الاكتشاف علماء آخرون. فمثلا هنالك بعض العلماء زوَّروا نتائج بحوثاتهم طمعا بالألقاب، وآخرون أخطأوا في الحسابات وأعلنوا ذلك بعد فوات الأوان.
لقد قرأت العديد من المقالات العلمية التي تخص الله بالذكر، ولم أقرأ عن أي إثبات لعدم وجوده ولا عن أي دليل علمي لذلك، بل تفاجأت عندما سمعت الملحد المعروف ريتشارد دوكنز يعترف في إحدى مقابلاته أنه لا يوجد إثبات لعدم وجود الله، وأنه هو نفسه يؤمن بعدم وجود الله بدرجة 6 من 7 بحيث أن 1 مؤمن و 7 ملحد. أي أن أكثر الناس إلحادًا ليس متأكدا من عدم وجود الله!

فمن أين نبعت إذًا هذه الإشعات التي تروي قصة عداوة بين الله والعلم؟ بحسب رأيي، بدأت القصة عندما فسّر بعض رجال الدين في الماضي آيات كتابية معينة بطريقة خاطئة، بحيث أن تفسيرهم هذا أدى إلى أن يضطهدوا بعض العلماء، وهؤلاء العلماء بدورهم تمردوا على رجال الدين. ولكن علينا أن نفرق بين رجل دين والله نفسه! فإن أي رجل دين مُعرَّض للخطأ لأنه يبقى إنسانًا. والله قد منحنا جميعًا عقولا لكي ندرس جميع المعطيات (الكتابية منها والعلمية) بتمعن، بحيث لا نكون “محمولين بكل روح تعليم”.

أما من جهتي فالعلم والله يتماشيان معًا. لأن الله الخالق هو العقل المدبر والمهندس لهذا الكون العظيم، وهو من وضع القوانين الفيزيائية التي مازال العلماء يكتشفونها. وأعتقد أيضا أن بدون الله لا وجود للعلم! فإن العلم يتأسس على المنطق والعقلانية، وجميع العلماء يعتمدون على الافتراض بأن الكون منطقي ويتصرف بطريقة عقلانية يمكن فهمها. ولكن لماذا هذا الافتراض؟ فلربما كان الكون غير منطقي! بهذه الحالة يستحيل على أي عالِم أن يكتشف أي شيء أو يدرس أية ظاهرة! تخيلوا معي أن الجاذبية تُغيِّر من قوتها في أي وقت وبشكل عشوائي، أو حتى أنها تغيِّر من اتجاهها! فسنرى الكواكب تتنافر عن الشمس للحظات وبعد لحظة أخرى تنجذب مجددا بسرعات مختلفة أو لربما تصطدم بها وتُحرَق. في كون لا منطق به لا يمكن أن يتواجد العالِم أصلا! ولكن لماذا الكون منطقي؟ لقد استغرب العبقري أينشتاين من هذا أيضا وقال: “ما لا أستطيع فهمه هو أن الكون يمكن فهمه!”. بالنسبة لي، الجواب هو أن المنطق يدل على عقل مدبِّر حي، فإني لم أسمع قط عن حجر يهندس بناء قلعة ولا عن فرشاة تـَرسم بجمال وروعة! فخلف الرسمة والقلعة عقل خلاق طيِّب السُمعة، أمَرَ فتحقق المطلوب بسرعة. فكم بالحري الكواكب والنجوم ذات اللمعة! أليست بحاجة إلى فكرة مبدعة؟

ليس هذا فحسب، بل أعتقِد أيضا لو أن العلماء استثمروا في دراسة اللاهوت قليلا ولم يستهزئوا، لاستطاعوا اختصار سنين من البحوثات الفاشلة. مثال على ذلك هو أنه أٌثبت مؤخرًا أن للكون بداية. فقبل هذا الاكتشاف المذهل، اعتقد بعض العلماء أن الكون أزلي، وأضاعوا شقاء عمرهم بدراسة لا نفع منها. ولكنهم لو قرأوا أول آية من الكتاب المقدس لوجدوا أن للكون بداية وأي بداية.
لنتأمل قليلا في هذه الجملة: “العلم هو الطريق الوحيد إلى معرفة الحق”، ولنحاول فهمها من ناحية منطقية. أولا، هل هذه جملة علمية؟ أو مبنية على دراسة لنظرية ما؟ كلا! فهي فقط جملة فلسفية تعبر عن رأي معين. اذا، وبما أنها غير علمية فلن تقودنا إلى معرفة الحق! لأن بحسب معناها، العلم وحده يستطيع أن يقودنا إلى الحق (وهي نفسها غير علمية)، وبالتالي نستنتج بأن الجملة تناقض نفسها، ولذلك العلم ليس الطريق الوحيد لمعرفة الحق. لربما كان هذا التأمل المنطقي صعب بعض الشيء ولكنه صحيح. والهدف منه هو الوصول إلى النتيجة أن هنالك عدة طرق لمعرفة الحق، والعلم هو إحداها وليس الوحيد.

في تاريخ العلم نرى بعض العلماء، مثل داروين، بعد أن فهموا أو اكتشفوا شيئا جديدا، تكبروا وقالوا ما حاجتنا بعد لله لأننا فهمنا! أحقا هذه حجة منطقية لننكر الله، إن كنّا قد فهمنا عمله؟! بالمقابل هنالك عباقرة آخرون الذين بعد اكتشافاتهم مجدوا الله وشكروه على نعمة الفهم كنيوتون وكبلر. ونشكر الله من أجل علماء زمننا الحاضر المؤمنين، كالطبيب وعالم الوراثة البروفيسور فرنسيس كولينز وبروفيسور الرياضيات جون لينوكس وغيرهم، الذين يشهدون عن المسيح من خلال معلوماتهم ودراساتهم القيمة بل وحتى يُحاورون الملحدين والمشككين، ويطوفون العالم ليتحدّثوا عن اختبارالمسيح في حياتهم. فإذًا، الصراع الحقيقي ليس بين الله والعلم بل هو بين وجهتًي النظر: الإلحادية والإيمان بوجود الله.

وختامًا، أريد أن أرد على الاتهام الذي وُجِّه للمؤمنين عبر الزمان بأننا نؤمن بـ “إله الفجوات”. ماذا يُقصد بإله الفجوات؟ عندما يعسرعلى العلم أن يجد الجواب لموضوع معين، يدعي البعض أن الله كان سببًا فيه! فأحد الأمثلة الشائعة هي بداية الكون. فالبعض يظن أننا نؤمن بأن الله كان السبب ببداية الكون لأن العلم لم يفسر كيف حدثت هذه البداية! للأسف هنالك أشخاص يتبعون هذا الإيمان، ولكن هذا الإيمان مُضل. لأن الحقيقة هي أن كثرة الأدلة هي التي تؤيد إيماننا وليس نقصها! فإن الدراسات الموجودة عن بداية الكون هي التي تدل على وجود الله، وسأتوسع في هذا الموضوع (أدلة على وجود الله) في سلسلة مقالات قادمة إن شاء الرب وعشنا.