هل العلم يناقض وجود الله ؟

علماء مؤمنون

علماء مؤمنون – المصدر ويكيبيديا

لماذا يعتقد البعض أن العلم يناقض وجود الله ؟ سؤال مهم. وللإجابة عليه يجب أن نراجع تصريحات بعض من رجال الدين والعلماء عبر التاريخ. لكن الأهمّ من هذا هو السؤال: أتناقض كهذا موجود حقًا؟ هل كلّما درسنا العلوم، دخلنا المختبرات، قمنا بالتجارب، حلّلنا النتائج، خرجنا بنظريات أو اكتشفنا القوانين، سيضعف إيماننا بوجود الله الخالق؟ ولماذا؟

هنالك بعض العلماء ممن نالوا شهرة عبر المواقع الإخبارية والاجتماعية والذين يبشرون بالإلحاد وينادون بهدم الدين وسلطته ويتهجّمون على الكتب المقدسة بسخرية ووقاحة، كونهم علماء، ويتباهون بشهادات علميّة عالية، أعطى كلامهم مصداقية معيّنة وكأنّ كلامهم الفلسفيّ واللاهوتيّ (الخارج عن مجال اختصاصهم) أصبح أيضا مثبتًا علميًّا. فلربما أثّر هذا التوجه العنيف على رأي البعض من عامة الناس فصدّقوا تلك الادعاءات.
الكثير من المقتنعين بتوجه هؤلاء العلماء، يظنّ أنّ العلم هو الطريق الوحيد لمعرفة الحق، هذا التيار يسمى بالساينتزم (Scientism). ولكن لنتفحّص الجملة نفسها (العلم هو الطريق الوحيد لمعرفة الحق) هل هي جملة علميّة؟ كلا! بل هي اعتقاد فلسفيّ، بدون أي دعم علمي. مثال لجملة علمية: “سقوط التفاح عن الشجرة يكون دائما إلى الأسفل باتجاه الأرض، وذلك بسبب قانون الجاذبيّة”. نرى بهذا المثال حدثًا معيّنًا وتفسيرًا علميًّا له. أمّا جملة: “العلم هو الطريق الوحيد لمعرفة الحق”، فهي افتراض بدون تفسير أو دليل علمي لمصداقيته، ولذلك فهي غير علميّة وبحسب فحواها لا تقودنا لمعرفة الحق. هل ترون التناقض الموجود في هذا التوجه؟ ببساطة هنالك طرق أخرى لمعرفة الحق كالتاريخ والمنطق وغيرهم، ولذلك لا يملك “العلم” الطريق الوحيد لمعرفة الحق.

أجرت الباحثة الاجتماعية إيلين هاورد أكلوند بحثًا على أكثر من 1600 عالم في سنوات 2005-2007، في أكثر من 21 جامعة علميّة أكادمية تحت عنوان “الدين بين العلماء الأكادميين” (Religion Among Academic Scientists). ووجدت أن العلماء لم يتخلّوا عن إيمانهم خلال رحلتهم الأكاديمية، وذلك على الرغم من التحديات القائمة بين تفسيرات دينية معيّنة وبين نظريات علميّة.

تكلّم علماء ملحدون آخرون، لكنّهم ليسوا من النوع الذي يبشّر بالإلحاد عن طريق العلم، عن عدم وجود علاقة بين العلم وعقيدتهم الإلحادية. فقد قال الدكتور ديفيد فيتش إن: “العلم لا يستطيع إثبات عدم وجود الله أو وجوده“، ثم أضاف: “إن اردتم، معرفة وظيفة العلم فهي دراسة خليقة الله”. وقال العالم جورج كلين: “أنا ملحد. وموقفي لا يستند على العلم، لكن بالأحرى على الإيمان”.

يحاول بعض المتطرفين الآخرين، الذين يعتقدون أنّ العلم والايمان بوجود الله لا يتماشيان سوية، بوضع الإنسان تحت الأمر الواقع، فإما أن يختار العلم أو الإيمان! وهذا “الاختيار” مثال رائع لمغالطة منطقية معروفة باسم “معضلة زائفة” (false dilemma). أي أنّ هنالك أجوبة أخرى غير المقترحة على هذا السؤال. وأعطى بروفيسور الرياضيات من جامعة أوكسفورد البريطانية جون لينوكس مثالا يوضّح المغالطة، فقام باستعراض السؤال الآتي: ما هو أفضل تفسير لاختراع السيارة الاولى: هنري فورد (المخترع للسيارة الأولى في العالم) أم قوانين الاحتراق والديناميكا؟ أي طالب في المدرسة سيسخر من عدم منطقية السؤال ويعرف جيّدًا أن الإجابة هي الاثنان معًا.

جون لينوكس - ويكيبيديا

جون لينوكس – ويكيبيديا

جون لينوكس هو مثال لعالِم مؤمن، ومثله العديد في عصرنا هذا: أنطوني هيويش ووليم دانيل فيليبس، كلاهما حائز على جازة نوبل في الفيزياء، بالإضافة للعالم  فرانسيس كولينز من يترأس المعهد الطبيّ الوطنيّ في أمريكا، والمسؤول الرئيسيّ عن الأبحاث في الأدوية وغيرها. لا يسعني الوقت لتعداد ما يشهد له التاريخ من عمالقة العلماء كإسحاق نيوتن، وجليليو جاليلي، وجوهانس كيبلر، فرغم كل التحديات لم يتخلّوا عن إيمانهم بل دمجوه مع المعرفة العلميّة التي كانت عندهم وبشّروا بكليهما معًا.
كل أولائك أدركوا أنّ العلم يدرس العالم الماديّ، خليقة الله، وكلّما درسوا أكثر اكتشفوا عظمة الله أكثر فأكثر، فمجّدوه وسبّحوه على نعمة العقل والتفكير والبحث، فمن خلال كتاب الخليقة، تعرّفوا على مجد الخالق، واقتنعوا أنّ العلم لا يمكنه أن يناقض وجود الله. فكيف للرسمة أن تناقض وجود الرسّام أو كيف للجبلة أن تناقض وجود جابلها؟ فالعلم محدود بالماديّة، أما الله فهو كائن غير مادي. ولكن أحيانا إن نظرنا إلى الرسمة بدقة، لوجدنا إشارات، أو دلائل على وجود الرسام وطبيعته.

لقد شاركناكم بعدّة مقالات عن الأدلّة لوجود الله، التي يستخدمها بعض العلماء والفلاسفة، وبهم تأملنا معًا بالدور الذي يلعبه العلم في هذه الأدلة. رأينا كيف أنّ العلم لا يثبت وجود الله، بل فقط يؤشر أو يدل على وجوده عن طريق استخدام العلم بحجج منطقيّة. إحدى هذه الحجج المنطقيّة معروفة باسم الحُجّة الكونيّة والتي تتكلم عن بداية الكون وأي بداية تلك.

مصدر الصورة