الإلحاد تحت المجهر – معنى الحياة

معنى الحياة

ديناصور – معنى الحياة – المصدر: ويكيبيديا

تكلمنا في المقال الأخير في سلسلة الالحاد تحت المجهر عن قيمة الحياة في الفكر الإلحادي، وعلى ماذا تتأسس. أما في هذا المقال فسنناقش معنى الحياة في هذا الفكر. ما هو معنى حياة الإنسان من وجهة النظر الماديّة الإلحاديّة؟ إذا كان الإنسان مجرّد عابر سبيل في هذه الحياة، فماذا يهم إن كان أصلًا موجودًا أم لا! لربما تكون حياةُ إنسانٍ ما أهمّ من غيره. قد يكون أثّر إيجابيًّا على المجتمع أو حقّق أهدافًا تاريخيّة. هذه كلّها معانٍ وقتيّة، محصورة في فترة زمنية محددة. ولكن ما هي الأهمية المطلقة لأيّ من هذه، إذا كانت النهاية محتومة ومصير الإنسان أن ينقرض مثله مثل أي كائن على الأرض.

تخيّلوا معي، ما هو المعنى من حياة الديناصورات؟ لربما عاشوا كمجموعة أو ساعد أحدها الآخر، لكنّها مع هذا انقرضت منذ آلاف السنين. أعلم أنّ لها تأثيرًا معيّنًا على الكرة الأرضية، تمامًا كأيّ الكائنات الاخرى. فلا بد أنها قد أثّرت على النظام البيئيّ (الايكولوجي)، ولكن ما هي أهمية ذلك؟ ما هي أهمية وجودها حقا؟ ما الفرق بين وجودها وعدمه؟ لو لم تكن موجودة، لربما تغيرت بعض الاحداث، وازدهرت كائنات أخرى بدلًا منها، ولكن حتف جميع الأحياء محتوم. في الحقيقة، بوجهة النظر الماديّة، لا يوجد فرق بين معنى حياة الديناصور، النملة أو الانسان.

يدّعي العلماء أن الكون بدأ بالانفجار الكبير. لنفترض أن هذا الانفجار لم يحدث، ماذا سيكون الفرق بين وجود الكون وعدمه؟ هل للإنسان أهميّة معيّنة في الوجود؟ من المعروف أنّ كوننا هذا محكوم عليه بالإعدام. الطاقة الحرارية ستنفد، العيش على الأرض أو أي كوكب آخر سينتهي وكل هذا الكون سيكون غير صالح للحياة. فما الأهمية لحدوث الانفجار الكبير أو عدمه؟ النتيجة نفسها: لا وجود للحياة. لذا فالكون كلّه بلا أهمية مطلقة، فكم بالحري الإنسان.

كلّ التطوّر العلميّ العظيم الذي وصل إليه البشر، الخدمة الإنسانية والمساعدات، مساعي السلام السياسية والعدل، الموسيقى الرائعة التي أُلّفت على مدى العصور، المناظر الخلابة التي التقطتها عدسات أعيننا، ذكرياتنا مع العزيزين على قلوبنا وغيرها من الأشياء الثمينة، جميعها تفقد بريقها ومعناها الأصلي عندما تدخل في الواقع الإلحادي الكئيب. فماذا يختلف عِلمنا عن عِلم القردة؟ أو حبّنا عن حبّ الفيلة؟ أو موسيقانا عن موسيقى الصراصير الليليّة؟ جميعها سيمحوها دمار الكون الذي لا مفر منه.

كما قال وليم لين كريج في كتابه On Guard: بما أن الإنسان سينتهي كعدم، فرعبه أنّه هو نفسه عدم. من هنا نرى أنه لا يوجد تأثير  نهائي مطلق لوجود الإنسان، لذا فحياته بلا معنى.

معنى الحياة

معنى الحياة

العديد من الأشخاص توصّلوا إلى هذه النتيجة، أن لا طعم للحياة بدون الله. فمثلا، عندما سُئل الأديب المعروف والناجح جاك هيجينس عما كان يريد أن يعرف وهو ولد، أجاب: “أردت أن أعلم أنّه عندما أصل إلى القمة، لن أجد شيئا هناك”. وكذلك لاعب التينس الشهير بوريس بيكر، بعد أن حقق القابًا عدة (كلقب أصغر لاعب يفوز بمباراة “ويمبلدون”)، وبعد أن كان لديه المال والنجاح والنساء والسيارات وكل شيء، حاول الانتحار وقال إنه “لا يملك السلام الداخلي”.

وفي الواقع إن تبنينا هذا المفهوم من عدم وجود معنى للحياة ومشينا بحسبه للنهاية سنصطدم بعدة عراقيل. فمثلا الدكتور فيكتور فرانكل، أحد الناجين من عذاب المحرقة النازية، قال إنّه إذا صدّق الإنسان مفهومًا خاطئًا عن نفسه، فهذا سيفسده. عندما نقول إن الإنسان مجرّد آلة عقلانية تسوقها ردود الفعل والغريزة، وأنه مجرد نتيجة لأحداث بيئيّة ووراثيّة، فإنّنا نغذّي العدميّة (nihilism). غرف الغاز هي المكان الذي به تتجسد هذه النظرية أن الانسان هو لا شيء. كما أحب النازيون بالقول إنّه: “دم وتراب”. الدكتور فيكتور مقتنع أن غرف الغاز هذه لم يتم صنعها ببرلين أو في وزارة ما، بل على مكاتب العلماء والفلاسفة العدميّين (nihilistic).

مع أن كل هذه الافكار صادمة، إلّا أنّي لا أرى مجالًا للملحد أن يتهرّب منها. لا يوجد بوجهة نظره الماديّة أي شيء يمكن أن يعطي معنًى حقيقيًّا ونهائيًّا للحياة. وكم هو كثير عدد الملحدين (خاصة من الشباب) الذين يتهرّبون من هذه الحقيقة. هذا ومع أن بروفيسور الفلسفة (الملحد) أليكس روزينبورغ قد صرّح أنه: “يجب علينا مواجهة الواقع وهو أن العدمية (nihilism) على حق”!  روزينبورغ ليس وحده بل هذه الفلسفة المتشائمة تضم العديد من المفكرين مثل نيتشه، كيركيجارد وغيرهم. يجب على الملحد تقبّل هذه الحقيقة الكئيبة. لا معنى من الحياة بالنظره الإلحادية، وبالأخص لا معنى من “التبشير” بالإلحاد!

سي أس لويس سخر من هذا الفكر العدمي وقال إنه إن كان حقا لا يوجد معنى للكون، لاستحال علينا الوصول إلى النتيجة أنه: “لا يوجد معنى للكون”! أما تشيسلاف ميلوش (حائز على جائزة نوبل في الأدب) فقال إن: “أفيون الشعوب الحقيقي هو الإيمان بأنه لا يوجد شيء بعد الموت، وأن الخائنين، الطمّاعين والقاتلين لن يُحكم عليهم”. وأضاف الفيلسوف دالاس ويلارد: “إن المعنى ليس كماليّات بالنسبة لنا،  بل هو الأوكسجين الروحي الذي يُبقي أنفسنا على قيد الحياة”.

اكتشفت من خلال المناقشات الشيّقة والمطوّلة مع أصدقائي الملحدين أن أغلبهم يعيش وكأن هنالك معنى لحياته، وهذا على الرغم من التناقض مع نظرته الإلحادية. وما زلت إلى الآن أحاول تحليل هذه الظاهرة. حسب رأيي، هنالك معنى لحياة كل انسان، خاصة الملحد ﻷني أومن أن الله نفسه أعطى أهمية ومعنى لحياة البشر أجمعين. ومن الجدير بالذكر أن هدف المقال هو مناقشة معنى حياة الإنسان في الفكر الإلحادي كفكر، وليس شخص الملحد نفسه.

في المقالات القادمة سنتطرق لمواضيع أخرى في الإلحاد مثل هدف الحياة، حرية الاختيار وغيرها وبالنهاية سنختم في كيف يتعامل الملحد مع هذه المواضيع.

 

مصدر الصورة