هل هناك إثبات على عدم وجود شيء؟

هل هناك إثبات على عدم وجود شيء؟
هل هناك إثبات على عدم وجود شيء؟

في الكثير من نقاشاتي مع أصدقاء ملحدين حول السؤال هل الله موجود، وبعد تقديم العديد من الأدلة على وجوده، أُطالب صديقي الملحد بأن يقدّم إثبات على عدم وجود الله، فلماذا أصدّقه بدون أن يدعم موقفه؟ لكن سرعان ما يأتي الجواب الواثق أنه: لا يوجد إثبات على عدم وجود شيء، فهي غير موجودة أصلا! لذا من غير المنطقي أن أطلب شيء كهذا.

سبايدرمان

سألني أحدهم مؤخرا: “هل تستطيع أن تثبت أن سبايدرمان غير موجود؟” محاولا أن يبرهن صعوبة إثبات عدم وجود الأشياء أو لربما السخرية. فبهدف إبقاء القليل من المرح في النقاش، قدّمت له دليل على عدم وجود سبايدرمان.

سبايدرمان يدافع عن وجوده!

اليكم دليلي: سبايدرمان عبارة عن شخصيّة كارتونية (سينمائية) باسم بيتر باركر من مدينة نيويورك، وبحسب الادّعاء، حلّت بهذا الإنسان طفرة جينيّة بسبب لسعة عنكبوت وأصبحت لديه قدرات خارقة! إذًا نستطيع، ولو نظريًا، أن نقوم بفحص جيني لكل مواليد نيويورك (ويمكن توسيع الفحص للعالم بأجمعه إن احتجنا) والبحث عن شخص مع طفرة جينية غريبة. في حال لم نجدها، نفهم أن سبايدرمان، وبكل أسف، غير موجود بيننا اليوم. لذا إثبات عدم وجود سبايدرمان، ولو نظريا، أمرٌ ممكن.

إثبات على عدم وجود

الحقيقة هي أن هناك العديد من الاثباتات على عدم وجود اشياء، ولا أرى صعوبة ما في الأمر. أستطيع أن أثبت لكم أنه لا يوجد قنبلة ذرية في غرفتي، وأن أثبت عدم وجود ديناصورات حيّة على الأرض، وعدم وجود فيروس ال HIV (الإيدز) في جسمي. أستطيع وبكل تأكيد إثبات عدم وجود دولة إلحادستان وشبه جزيرة اللاأدريين. يمكنني المتابعة باعطاء الامثلة وكتابة آلاف الاسطر عليها، لكن أظن أن النقطة واضحة: هنالك اثباتات كثيرة على عدم وجود الأشياء.

البعض قد يعترض أن الأمثلة التي أعطيتها هي أمثلة مادية تجريبيّة وأمّا الله فهو كائن غير مادي ميتافيزقي. لكن في الواقع، نستطيع الإثبات بطرق غير تجريبية أيضا. مثلا، أستطيع أن أثبت عدم وجود رجل أعزب متزوج، بدون فحص تجريبي، بل من خلال المنطق. أستطيع أيضا إثبات عدم وجود أشياء غير ماديّة بنفس الطريقة، مثلا اثبات عدم وجود دائرة مربعة، أو عدم وجود أي عدد صحيح بين الأعداد 1 و 2. عالم الرياضيات الشهير ديفد هيلبرت حاول تقديم برهان منطقي على عدم وجود عدد لا نهائي من الأشياء في الواقع. هنالك مقالات أكاديميّة كثيرة تحاول إثبات عدم وجود أشياء مجردة أو ميتافيزيقية، كالأرقام أو حتى القيم الأخلاقيةّ. لذا فاعتراض الملحد أن الله كائن ميتافيزيقي لا يعفيه من دعم موقفه.

من الجدير بالذكر، أنه بمعادلات المنطق، إثبات عدم الوجود ليس بشيء خاص. فمثلا، إن أخذنا هذه الفرضية: “كل خروف لديه صوف”، يمكن أن نقولها بصيغة النفي مع الحفاظ على نفس المعنى: “لا يوجد خروف بدون صوف”. الفرضيتان متطابقتان، فإن أثبتت الأولى، تثبت الثانية أيضا. وللتّشديد، في الفرضية الثانية نحن نثبت “عدم وجود” خروف بدون صوف.

عبء الإثبات

البعض يدعي أني أُحوّل عبء الاثبات على الملحد، إذ أنني كمؤمن أدعي وجود الله والبيّنة على من ادعى! لنرجع الى السؤال الأساسي الذي ابتدأنا به: “هل الله موجود؟”. الطريقة التي أتّبعها في الإجابة هي عن طريق وضع الادلة التي تدعم وتعارض الادعاء على كفتي الميزان وفحص أي كفة هي الأثقل. نعم، أنا أدعي أن الله موجود، والبيّنة عليّ، ولم أتهرب يوما من تقديم الأدلة على وجود الله، فكما ذكرت سابقا، هناك حوالي 26 دليل على وجود الله وقد تكلمت عن الكثير منها. ماذا عن كفة الميزان الأخرى؟ هل هنالك من يدعي أن الله غير موجود؟ بما أنه يدعي ذلك، فالبيّنة عليه أيضا، ولذلك سيكون مُطالَب بتقديم الأدلة. ليس من مصلحته أن يُبقي كفته في الميزان فارغة، فأصغر الادلة على وجود الله وأضعفها قد تحسم الأمر! بالاضافة إلى ذلك، إن ترك الملحد كفته فارغة سيُعرّض نفسه لأسئلة كثيرة محرجة مثل: على ماذا يتأسس موقفه الإلحادي؟ ماذا يبرر صحته؟ لماذا أصدّقه؟ لذا، إن كان يدعي أنه يتبع المنطق والعلم وليس الإيمان الأعمى بالإلحاد، عليه أن يدعم موقفه ولا مجال للتهرب.

مع أن الكثير من الملحدين الجدد يتهربون لكن في الواقع هناك الكثير من الفلاسفة الملحدين المحترمين أكاديميا الذين قدّموا بعض الأدلة على عدم وجود الله، وبهدف إثراء معرفة أصدقائي الملحدين والمؤمنين سأبشّركم ببعض الأسماء التي أنصح بمتابعة كتاباتهم:

  • وليم رو: اشتهر بصياغته لمشكلة الشر – William Rowe
  • ج. ل. شيلينبرج: اشتهر بمعضلة اختباء الله – J.L. Schellenberg
  • جراهام أوبي: يعتبر أحد أشهر الملحدين الأكاديميين المعاصرين – Graham Oppy
  • ج. ل. ماكي: اشتهر بتشكيكه لوجود القيم الأخلاقية الموضوعية – J. L. Mackie

بطبيعة الحال، هنالك نقاش أكاديمي طويل وشيّق بين هذه الفلاسفة وفلاسفة آخرين. كلٌّ يحاول فحص الأدلة، دعمها أو نقدها ويعارك فكريا مع الحجج والأفكار المُقدّمة، لكني لم أرى هذه الأشخاص الأكاديميين تتهرب من تبرير موقفها. لذا أدعو أصدقائي الملحدين أن يفحصوا معتقداتهم، يستعدوا هم أيضا لتبرير إيمانهم بعدم وجود الله وينضموا إلى معركة فكرية أكثر جديّة.

بقلم جورج عبده

رابط لصورة سبايدرمان، رخصة
رابط لصورة الميزان