الإلحاد تحت المجهر – أين الأدلة ؟

الإلحاد تحت المجهر - أين الأدلة؟كنت أفضل أن أبدأ بالتطرق لصُلب الموضوع والذي هو نقد لبّ الإلحاد، نتائجه وتأثيراته على المجتمع، ولكن ما تبين لي بعد كتابة مقدمة سلسلة “الإلحاد تحت المجهر” أنه من المهم أن نتكلم أولًا عن “الأدلة” على المذهب الإلحادي المادي. فحتى مع وجود اختلافات في تعريف الإلحاد، هذا لا يعفي الملحد، أيا كان، من التخلي عن الأدلة التي تدعم فِكرَهُ. فأي شخص يؤكد على اتباع فكر، إيمان أو مذهب معين بدون الإتيان بالأدلة على مصداقيته، يُرفض فِكرُهُ أيضا بدون أدلة! حتى ولو كان الإلحاد مجرد موقف، افتراض أو رد، يجب عرض الأدلة! وباختصار، هنالك سؤال مطروح: “هل الله موجود؟”. جواب بعض الملحدين هو: “لا”. فأين التعليل لهذا الجواب؟! لماذا تدعي أن الله غير موجود؟! الاجابة بـ “لا” فقط غير كافية! أما البعض الآخر يرفض إجابة ال “نعم” بدون الشرح، وهذا أيضا غير مقبول، فإني ببساطة أشكك في مصداقية الإلحاد وبإجابته على السؤال وأظن أنني بحاجة لرؤية ما يدعم هذا الفكر الإلحادي.

قال إيتن بورن (Etinne Borne) بروفيسور بالفلسفة (ملحد)، إن: “الإلحاد هو إنكار واضح، متعمد وجازم لوجود الله”. فمن المنطقي أن يحضر الملحد أدلة على هذه العقيدة الحازمة! وعلى الرغم من ذلك، ما زال هنالك من يزعمون أنه ليس من الضروري وجود أدلة على صدق المذهب الإلحادي، والبعض يختبئ وراء المعتقد أنه لا يمكن احضار أدلة على شيء غير موجود، ولكن هذا سخف! لأن باستطاعتنا مثلا احضار الأدلة على عدم وجود الماء الجاري على سطح القمر (لاحظوا النفي). ونستطيع أيضا أن نثبت حسابيا أنه لا توجد أرقام صحيحة بين الرقم واحد والرقم اثنين! فالعالم مليء بالأدلة وحتى بالإثباتات على عدم وجود أشياء كثيرة منها الماديّة أو المُجرّدة. فأين الأدلة على عدم وجود الله؟ أو أين الأدلة التي تدعم عدم الإيمان بالله؟

من البديهي أن موضوع إحضار الأدلة على عدم وجود الله أمر في غاية الصعوبة! فعلى الملحد أن يبحث في كل مكان لكي يثبت أن الله حقا غير موجود ،لكن ذلك من رابع المستحيلات! وهذه مشكلته هو، ولا مفر له من ذلك. العديد جرّبوا أن  يبرهنوا إستحالة وجود الله من خلال المنطق أو أي طريقة أخرى، وفشلوا جميعا. ومع هذا، لا مجال للتهرب من الأدلة! أي محاولة لتغيير تعريف “الإلحاد”، أو شرح لماذا الأدلة غير ضرورية هو تهرب جبان ومناورة عديمة الجدوى، لا بل أيضا اسلوب حياة غير منطقي!
ليس هذا فحسب، بل إن للإلحاد افتراضات وادعاءات كثيرة مخبأة والتي تٌفرَض حالا عند التخلي عن الله، وقلّما أُعطي عليها أدلة. فمثال بسيط هو: وجود الكون. هنالك ثلاث إمكانيات فقط لتفسير وجود الكون:
1) الله خلق الكون
2) الكون أزلي – غير مخلوق
3) الكون تكون من لا شيء*!
بما أن الملحد يرفض التفسير الأول والأغلبية الساحقة من العلماء تنفي صحة الإمكانية الثانية، فالملحد مجبر على تبنّي الاحتمال الثالث والأخير (وهو أغربهم)، وبالتالي فهو مجبر على تقديم الأدلة عليه! أي أنه لا بد له من شرح لماذا تكوّن الكون من العدم وكيف؟! أليست البيّنة على من ادعى؟ فإن كان الاحتمال الثالث صحيحًا، فلماذا إذًا لا تتكون أكوان أخرى الآن من لا شيء؟ أو حتى نجم واحد أو كوكب؟ لننظر لأشياء اقل تعقيدًا من كوكب، لماذا لا تتكوّن الآن عنزة أو خيارة من لا شيء، هنا أمامنا والآن؟!
إتّباع هذا الاحتمال الأخير أسخف من السحر! فبالسحر، عندما يُخرج الساحر أرنبًا من القبعة وكأنه أوجده من “العدم”، كان على الأقل لدينا القبعة، ودعونا لا ننسى الساحر! أمّا أن تتكون الأشياء من “لا شيء” فهذا غير منطقي، ولا يحدث إلا بالخيال، ومن يتبعه يكون منساقًا بإيمان أعمى!
هذا مثال واحد بسيط على افتراض مُتخفي داخل الفكر الإلحادي وهنالك الكثير من هذه الإفتراضات. لا يسعني الوقت لذكرها كلها، فهنالك العديد من الأشياء لها تفسير مع وجود الله، وإن محونا الله من الصورة، تبقى أشياء عديدة تحت رحمة تفاسير غير منطقية كالصدفة والعشوائية واللا شيء! لذلك أرجو الملحد أن يُعين ضعف إيماني بفكره، وأن يعرض الأدلة على عدم وجود الله، كي نستطيع أن ندرسها معا ولا نكون محمولين بكل ريح تعليم! لأني أظن أن ليس لي إيمان كاف كي أكون ملحدًا!

لا يتهرب جميع الملحدين من إعطاء الأدلة، فالبعض شجعان ويحاولون فعلا تقديم أسباب لإلحادهم. وبالنسبة لي هذا أفضل بكثير من التهرب أو عدم فهم الحاجة للأدلة. في المقال القادم سأعرض بعضًا من أفضل هذه الأدلة وأناقشها.


* بـ “لا شيء” لا أعني الفراغ الفيزيائي المادي، لأن بذلك الفراغ يوجد طاقة، أشعة، مكان وزمان. بلا شيء أقصد حقيقة وحرفيا لا شيء! لا مادة، لا طاقة، لا مكان ولا زمان. تماما كما يفكر العلماء بوضع الكون قبل الإنفجار الكبير.