حروب العهد القديم – الجزء الاول

حروب العهد القديم

حروب العهد القديم

يهاجم العديدون اخلاقية الكتاب المقدس بسبب حروب العهد القديم وما ورد من نصوص يأمر بها الله بني اسرائيل بابادة شعوب ارض كنعنان (تثنية 1:7-3, تثنية 16:20-17,عدد 13:31-17, يشوع 21:6, 1 صموئيل 2:15-3). مثلا, يأمر الله شعبه بلسان موسى: “واما مدن هؤلاء الشعوب التي يعطيك الرب الهك نصيبا فلا تستبق منها نسمة ما بل تحرمها تحريما الحثيين والاموريين والكنعانيين والفرزيين والحويين واليبوسيين كما امرك الرب الهك” (تثنية 16:20-17). تبدو لهم القصة بان شعب اسرائيل قدموا من ارض مصر, قتلوا شعوب كنعنان بامر من الله واحتلوا ارضهم وسكنوا مكانهم حوالي 700 سنة (722-1410 ق.م). تطرح هذه القصة الظاهرية عدة اعتراضات مثل:

  • كيف يمكن لاله صالح ومحب ورحيم ان يأمر بابادة جماعية (حتى لاطفال لا ذنب لهم) لكي يعطي ارض لشعب معين؟
  • هناك تناقض بين اله العهد القديم القاسي العنيف وبين اله العهد الجديد المحب والمتسامح.
  • يبدو ان الله عنصري يميز شعب اسرائيل عن باقي الشعوب, وهذا غير عادل.
  • نصوص العهد القديم تشبه الاحتلالات الظالمة والعمليات الارهابية التي نراها اليوم باسم الدين ويُدَّعى انها بأمر من الله.

من الجدير بالذكر ان الكثير من حروب العهد القديم لم تكن بامر من الله، بل كانت بمشيئة الانسان وحده ولا دخل لله فيها بتاتا. الّا انه في بعض الحالات الخاصة امر الله بذلك. من خلال سلسلة المقالات هذه سنناقش هذه الحالات الخاصة ونجيب على بعض الاسئلة من خلال التدرج في معالجة بعض جوانب حروب العهد القديم.

هل الله صاحب السلطان على الارض والممالك؟

يعلمنا الكتب المقدس ان الله هو صاحب السلطان على هذه الارض والممالك وهو الذي يتدخل بمجريات التاريخ. هو الذي “يغير الاوقات والازمنة يعزل ملوكا وينصب ملوكا” (دانيال 21:2-22). ورد في سفر دانيال ان نبوخذنصر عُزِل من حكمه لتكبره ثم عاد الى عرشه بعد توبته ليعلن “ان العلي متسلط في مملكة الناس فيعطيها من يشاء وينصب عليها ادنى الناس” (دانيال 17:4). اعطى الله البشر حرية الاختيار حين قال لهم منذ البدء تسلطوا واخضعوا الارض (تكوين 28:1) ولن يسلبها منهم, لكن هذا لا يعارض تدخل الله بسير الاحداث, فهناك عواقب ونتائج سيئة ودينونة لمن يسيء استخدام الحرية.

هل يمكن ان يكون الله قاتلا ؟

سلطان الله لا يقتصر على الارض والممالك فقط, فللّه سلطان على الحياة. انّ حياتنا وديعه من الله, هو من يهبها ومن حقه استرجاعها لانها ملكه وحده وليست ملكا لنا. فمثلا, ان اقترضت كتابا من المكتبة, بامكانك حيازته لفترة معينه وقراءته والاستفادة منه, لكن هذا لا يجعل من الكتاب ملكا لك بل يبقى ملكا للمكتبة ويحق لها استرجاعه. تشبه حياتنا الى حد بعيد هذا الكتاب. لقد ادرك ايوب ذلك فبارك الله حينما فقد كل ابنائه وبناته قائلا: “الرب اعطى والرب اخذ فليكن اسم الرب مباركا” (ايوب 21:1).  لذلك من غير المنطقي الادعاء بان الله قاتل فهو يسترجع ما كان اصلا له.

نظرة العهد القديم الى القتل

نهى الله شعبه عن القتل وسفك الدماء في الوصية السادسة من الوصايا العشر: “لا تقتل” (خروج 13:20), ومن اكثر سبعة امور يبغضها الله هي “ايد سافكة دما برئيا” (امثال 16:6-18). أيضا يوبخ الله شعبه على فم اشعياء:  “فحين تبسطون ايديكم استر عيني عنكم وان كثرتم الصلاة لا اسمع. ايديكم ملانة دما” (اشعياء 15:1).

نظرة العهد القديم الى معاملة الغرباء والاعداء

لم يرفض الله سفك دماء مَن هم مِن بني اسرائيل فقط بل ايضا مَن هم مِن جميع الشعوب وحتى الاعداء.  كما انه اوصى شعبه بمعاملة العدو بالحسنى فكانت وصاياه في سفر امثال: “لا تفرح بسقوط عدوك ولا يبتهج قلبك اذا عثر” (أمثال 17:24) وايضا “ان جاع عدوك فاطعمه خبزا وان عطش فاسقه ماء” (أمثال 21:25). واوصاهم بمحبة كل من لا ينتمي الى بني اسرائيل كالنفس, قائلا:” واذا نزل عندك غريب في ارضكم فلا تظلموه. كالوطني منكم يكون لكم الغريب النازل عندكم وتحبه كنفسك لانكم كنتم غرباء في ارض مصر. انا الرب الهكم” (لاويين 33:19-34). كما كانت بركة الرب لهم منوطة بترك جزء من محصولهم للغريب (تثنية 19:24). لذلك من الواضح ان وصايا الله العامة لا تأمر بقتل الاعداء او اجبار الناس على قبول الله بالعنف والسيف.

لقد تطرقنا في هذا المقال الى طبيعة الله فهو المالك وصاحب السلطان على الارض والممالك وصاحب السلطان على الحياة, هو من يهبها وهو من يأخذها. نهى الله شعبه عن القتل ووصفه بانه من اكثر ما يكرهه واوصاهم بمحبة الغريب (كل من لا ينتمي لشعبه) كانفسهم وان يعاملوا حتى الاعداء بالحسنى. ومن المهم ان لا ننسى ان العديد من الحروبات المذكورة لم تكن بأمر من الله بل كان الانسان وحده السبب فيها. ولكن ماذا عن الحروب التي امر بها الله؟ هل من مبرر للامر بقتل شعب معين؟ سنجيب في المقال الثاني من السلسة على هذا السؤال بالاضافة الى اسئلة اخرى مثل: هل كان شعوب كنعان يستحقون القتل؟

بقلم: اسيل شومر

المصادر: