أن نكون أو لا نكون اولادا؟

أن نكون أو لا نكون اولادا؟
أن نكون أو لا نكون اولادا؟

في هذا الأسبوع اقتبس أحد أصدقائي الأعزاء آية “إن لم ترجعوا وتصيروا مثل الأولاد فلن تدخلوا ملكوت السماوات” (متى 18: 3) واقتبس آخر آية: “أيها الإخوة، لا تكونوا اولادا في اذهانكم، بل كونوا أولادًا في الشر، وأما في الأذهان فكونوا كاملين.” (1 كور 14: 20). وهذا جعلني أفكر بالسؤال: هل نكون أو لا نكون اولادا؟

بساطة الاولاد؟

من الممكن أن يستنتج القارئ من الآية في متى أنه على المؤمن المسيحي أن يتحلّى بإيمان بسيط كإيمان الاولاد. لكن من الجدير بالذكر أن أكثرية المفسّرين يعتقدون أن هذه القطعة تتكلم عن أن معظم الأولاد لديهم القدرة على التّعلم ولديهم هذا التواضع المستعد لاستقبال المعلومات. ومن هنا نفهم أن عبارة أن نكون كالأولاد تعني مستعدّين للتعلم من الله بتواضع وطامحين لمعرفة قلبه كي نبني معه علاقة أبويّة حميمة.

قد تحتوي هذه العلاقة على نوع من البساطة، لكن ماذا تعني البساطة؟ هل هي بساطة الإيمان؟ ما هي بساطة الإيمان؟ هل تعني تصديق كل شيء؟ هل تعني تبنّي معتقدات دون فحصها؟ ماذا يعني أن اومن بشيء ما؟ كلمة الإيمان بالعربية تحوي عدة معاني. التعمق بهذه المعاني سيساعدنا على اجابة هذه الاسئلة. المعنى الأول يعني التصديق أو الاعتقاد. مثلا عندما نقول:
“أنا أومن أن يسوع المسيح مات على الصليب”
هذه الجملة تعني أني أعتقد أو أصدّق ان هذا الحدث، موت يسوع المسيح على الصليب، قد حصل فعلا. لكن هنالك اختلاف بين “اومن أن” و “اومن بـ”. مثلا عندما اقول:
“أنا اومن بالمسيح الذي مات على الصليب”.
هذه الجملة لا تدعي فقط أني أصدّق حقيقة حدث موت يسوع على الصليب فحسب، بل هنالك بُعد آخر.

البعد الآخر للإيمان

يتكلم الكتاب المقدس عن هذا البعد الآخر في أغلب استخداماته لكلمة ايمان. الكلمة باليونانية هي “pistis” والتي تحمل في معناها مفهوم الثقة. بناء على هذا المفهوم وعلى آيات كثيرة (مثل عبرانيين 11: 1) عرّف اللاهوتي والفيلسوف وليم لين كريج الإيمان هكذا:

الإيمان ليس وسيلة للمعرفة. قد يظن البعض أن المنطق والعقل يقودنا لمرحلة معينة ومن ثم نعتمد على الإيمان لكي نعرف أن الله موجود. هذا سوء فهم للايمان كما ورد بالكتاب المقدس. الإيمان هو الثقة التي نضعها بشيء، عندما نعتقد أنه صحيح“.

وبناء على مفهوم الإيمان كثقة، فانا فعلا أريد أن أكون ولدا! أريد أن اثق بالله تماما كما يثق بي اولادي وأكثر. أنا احب اولادي واعرف مصلحتهم. هم اقتنعوا بمحبتي لهم ووثقوا فيّ ثقة كبيرة جدا. هذا يشجعني أن أصلي كي تكون لدي ثقة كبيرة بالله. هذه الثقة التي تشمل الاتكال والاعتماد عليه وهذا من أساسيات العلاقة معه والحياة المسيحية. عندما نؤمن بشيء معين، نكون على استعداد أن نعيش حياتنا بحسبه، وكأنه يحصل اتحاد بيننا وبينه ومن لحظة ايماننا به نصبح واحدا.

كاملين في الأذهان

ومن الجهة الأخرى، كما رأينا في بداية المقال، الله لا يريد أن نكون اولادا في اذهاننا، بل يريد أن ننمو ونكون كاملين في الأذهان (1 كو 14: 20). هنالك آيات أخرى كثيرة يحثنا بها الكتاب على أن نسعى نحو المعرفة ونبحث عنها كالفضة والكنوز (أمثال 2: 1- 11). نستطيع أن نستنتج أن احدى وظائف الذهن هنا هي أن لا يبقى ولدا صغيرا، بل أن ينمو في المعرفة، أن يفحص ما هو صحيح ويمتحن صدق المعتقدات والأفكار.

كيف يعرف الذهن ما هو صحيح؟ كيف يفحص ذلك؟ متى أستطيع أن أقول: “أنا أعتقد أن ذلك صحيح” ولماذا؟ هذا موضوع كبير جدا يختص بعلم المعرفة (epistemology)، من الصعب تغطيته بأكمله هنا ولكن باختصار، هنالك وسائل كثيرة للمعرفة منها: العلوم الطبيعية، المنطق، الخبرات الشخصية، خبرات الآخرين، التاريخ وغيرها. كمؤمن هنالك وسائل معرفة اساسية اخرى وهي كلمة الله، تفسيرات المؤمنين للكلمة، روح الله الساكن فينا، روح الله الساكن في اخوتي الآخرين وغيرها.

اقتناع بدون ايمان

هل الاقتناع بصحة أمر كاف؟ هنالك حالات كثيرة بها يقتنع الناس بصحة أمر معين، لكن لا يعيشون حياتهم بحسبه. وليم لين كريج يعطي مثال جميلا يوضّح به الموضوع. قبل عدة سنوات كان على كريج أن يخضع لعملية زراعة قرنية في عينيه. فابتدأ بالبحث عن افضل الاطباء المختصين في المجال، وتوصّل لاقتناع كامل أنه وجد الطبيب المطلوب. هل اقتناعه كاف للعلاج؟ كلا! فهو بحاجة أن يثق بالطبيب، يسلم نفسه له ويضع عينيه تحت مشرطه. وكذلك الامر بالايمان المسيحي. العديد من الأشخاص يدّعون أنهم يصدقون الكثير من العقائد المسيحية كوجود الله، صلب وقيامة المسيح، لكن هل فعلا كل من صدّق ذلك يعيش حياته بحسب تعاليم المسيح؟ هنالك حاجة لخطوة أخرى وهي الثقة به. انها قرار بأن نعيش ونلتزم بعلاقة حيّة بالمسيح. هذه هي خطوة الايمان.

صلاتي بالنهاية أن لا نكون أولادا في اذهانا، ولا نكون محمولين بكل ريح تعليم بل أن نفحص، نمتحن، نجتهد، ندرس ونتعلم. وفي حال اقتنعنا بحقيقة أمر معين، خاصة إن كان له علاقة بشخص الله، علينا أن نثق به كثقة الأولاد بالآباء، فهو الله الخالق، كامل الصفات، الذي يريدنا أن نُقبل إلى معرفة الحق، ذاك الحق الذي يستطيع تحريرنا وتحويل حياتنا إلى حياة روحية عميقة مُتّحدة مع المسيح.

بقلم جورج عبده

رابط لمصدر الصورة