الإلحاد تحت المجهر – الأدلة 2

الإلحاد تحت المجهرلقد انتهى المقال السابق في سلسلة الإلحاد تحت المجهر بذكر بعض الأدلة غير المباشرة على عدم وجود الله، والتي يستخدمها بعض الملحدين كالمكان الذي ولدت به، العجائب، قصة الخلق وتعدد الأديان. للتذكير، الهدف من سلسلة المقالات هذه هو دراسة هل هذه الأدلة تدعم عدم وجود الله؟ فكما قد سبق وذكرنا، نحن بحاجة لما يدعم الموقف الإلحادي. ليس هدفنا الدفاع عن الإيمان بالله، بل نقد الموقف الإلحادي.

في هذا المقال سأناقش دليلين آخرين وهما:

1- العنف في الكتاب المقدس

قد يطرح الملحد بعض الآيات من الكتاب المقدس ويبيّن أن الله “عنيف” بحيث أنه قد أعدم الخنازير، أمر بالقتل، أحرق مدينة وأغرق المسكونة. فكيف يصنع إله المحبة ذلك؟ بعض الملحدين يظنون أنهم هم أول ناس يقرأون تلك الآيات، رغم أنها كُتبت وشُرحت منذ آلاف السنين! وعليه، إن كان القارئون لهذه الفقرات يرون أن قداسة الله وبرّه ضئيلان لا يصلان إلى مستوى القداسة والبرّ في البشر، فهذا لا يعني أن الله غير موجود! ولكن للإجابة وباختصار شديد، الإيمان لا يقضي أن الله هو فقط محبة، بل أيضًا إله الحق، العدل والدينونة ويحق للخالق الذي أعطى الحياة للخنازير والبشر أن يأخذها متى شاء، حتى ولو لم نفهم نحن لماذا.
مرة أخرى نلاحظ أن هذا الدليل غير مباشر أيضًا، فهو لا يطعن بوجود الله بتاتا. ليس ذلك فحسب، بل حتى لو أثبت الملحد أن الكتاب المقدس غير صحيح كلّيًا، فهذا لا يعني أن الله غير موجود! فنحن نبحث عن أدلة مباشرة تبين أن الله غير موجود وليس صدق كتاب معين.
أظن أن النقطة واضحة، ولكن لمن يريد متابعة الموضوع أنصحه بقراءة كتاب بعنوان: “هل الله وحش شرير” للكاتب بول كوبان، به يناقش الكاتب أغلب هذه القطع الموجودة في الكتاب المقدس وخاصة العهد القديم.

2- نظرية التطور

سمعت بعض الملحدين وهم يحضرون نظرية التطور الداروينية كدليل يدعم موقفهم. وصراحة لم أفهم لماذا! فرغم ادعائهم بثقافتهم العلميّة العالية، إلا أني أشك أنّ هذه الثقافة محدودة باتجاه واحد فقط! ألم يسمعوا عن مؤمنين يدعمون النظرية؟ آخر استطلاع (gallup) في الولايات المتحدة، يكشف أن حوالي ثلث السكان هناك يؤمنون بأن الله ونظرية التطور يتماشيان معًا. لنلقي نظرة الى العالِم فرنسيس كولنز، فهو كان ملحدًا طوال حياته وبعد أن تخرّج من كلية الطب، قرأ كتاب المسيحية المجردة للكاتب سي اس لويس (أيضا ملحد سابق) وآمن بالمسيح، ولكنه لم يستغنِ عن نظرية التطور، وكتب كتابا باسم لغة الله. ليس ذلك فحسب، بل أسّس أيضًا موقعًا باسم بيولوجوس مليئا بالدراسات العلمية والمقالات الروحية، يكتب به العديد من العلماء واللاهوتيون وجميعهم مؤمنون بالله ونظرية التطوّر معًا.
النظريّة ليست بديلًا عن الخلق. فهي لا تختصّ بأصل الحياة وكيف نتجت أول خلية حيّة. النظرية تتكلم عن الانتقاء الطبيعي. من المعروف أن هنالك تغيرات أو طفرات جينية تحصل على الخلايا. أحيانا تكون هذه التغيرات لصالح الكائن الحي وأحيانا أخرى تكون مسببًا في القضاء عليه. الأمر متروك للطبيعة والظروف لتنتقي الأحياء، وهكذا تنتشر الطفرة التي ساعدت الكائن على البقاء حيًا، ويستمرّ التطوّر من خلال طفرات أخرى والنتيجة هي كائن أكثر صمودًا.
ولكن مهلًا، على فرض أن النظريّة أُثبتت، لماذا هذا دليل على عدم وجود الله؟ ألا يستطيع القدير اختيار التطوّر كنظام للطبيعة التي خلقها؟ ما أو من الذي يمنعه؟ حتى في الكتاب المقدس، أعلن الله عن نفسه وخطّته للبشر تدريجيا، فلمَ لا يصنع كونًا يتطوّر تدريجيًّا؟

الى الآن لم نواجه دليلًا واحدًا جدّيًّا لصحّة الموقف الإلحادي. فعلى ماذا يعتمد الملحد في إيمانه؟ في المقال القادم سنناقش الدليل المباشر الوحيد (الذي نعرفه) على عدم وجود الله. الدليل المعروف بالمصطلح “مشكلة الشر”، فتابعونا.